عالجت ابني من التوحد
- في البداية لم استطيع أن اكتشف مرض ابني أو إعاقته واختلافه عن غيره من الأطفال، نظرًا لقلة وبساطة الأعراض التي تظهر على الطفل، فاعتقدت أن هذا أمر طبيعي، ولكن مع مرور الوقت بدأت الأعراض تشتد وتزداد، الأمر الذي جعلني أبدأ في الملاحظة.
- وأعراض التوحد تختلف من طفل لآخر، فلا يمكن تقديم نقاط واضحة حاسمة فيما يتعلق بهذه الأعراض، فعلى سبيل المثال بدايةً ابني ظهر عليه بعض أعراض فرط الحركة المتمثلة في نشاطه الحركي الكبير، ثم بعد ذلك بدأت أعراض أخرى تظهر وتزداد أيضًا.
- بعد ما علمت بمرض ابني، هنا فقط بدأت رحلتي في علاج ابني من التوحد، في بداية الأمر سيطر علي شعور الإحباط بقوة، ولكن بتدخل زوجي ودعمه لي وإيمانه القوي بالله، وعزيمتنا وإرادتنا في علاج ابننا، تغلبت على هذا الشعور وبدأت تجربتي الممتعة والمؤلمة في ذات الوقت.
- كان أول قرار اتخذته في هذه التجربة، هو أن أضع ابني أمام عيناي بصورة دائمة، وهنا اكتشفت أن الدعم الذي أقدمه لطفلي ليس ليمنحه هو القوة، بل ليمنحني أنا القوة حتى استطيع أن أكمل حياتي.
طرق التعامل مع الابن المتوحد
- حرصت منذ البداية أن أتعامل مع ابني المتوحد بأسلوب تربوي صحي وسليم، بل وحاولت أن أدخله مركز تربية متخصصة في هذا الموضوع.
- ودرست التربية الخاصة وتم حصولي فيها على درجة علمية مرتفعة، وحصلت أيضًا على دبلومه في السلوك التربوي الحديث بالنسبة للتوحد، كل هذا في سبيل إعداد نفسي لكي أكون قادرة على الرعاية السليمة والصحيحة لطفلي والأطفال التي تشبه طفلي من حيث الحالة الصحية.
- في هذا الوقت كنت أتابع الطبيب بصورة مستمرة وبانتظام، والعقاقير الطبية والأدوية كانت تحتل جزء كبير من العلاج، فكنت حريصة جدًا على إعطائه هذه الأدوية والعقاقير في المواعيد المضبوطة، هذا إلى جانب العلاج التربوي النفسي، لكي يتمثل ابني للشفاء بشكل أسرع.
صعوبات واجهتني خلال تجربتي في العلاج
- من أكثر الأمور المؤلمة خلال فترة علاجي لابني هي نظرة المجتمع لمريض التوحد، فالثقافة المنتشرة عن مرض التوحد غير حقيقية بالمرة.
- من المفترض أن مرض التوحد هو واحد من الأمراض الذهنية التي يمكن معالجتها والشفاء منها أيضًا، ولكن بأسلوب معين وسلوكيات خاصة نوعًا ما، وليس له علاقة بمتلازمة داون أو التوقف في نمو العقل.
- فاتخذت قرار عدم الالتفات لكلام الناس من حولي، منعًا للتراجع في خطواتي في رحلة علاجي، ومن الناحية الأخرى حتى لا يتأثر ابني بنظرات الناس من حوله وخصوصًا نظرات الشفقة، ولهذا تجنبت كل الناس السلبية والتي قد تسبب لي إحباطًا، حتى وإن كانوا من المقربين.
- ووجدت أيضًا العلاج البديل للعلاج الطبي هو العلاج بالحب والود، فهذه هي الطريقة السحرية التي استطعت التوصل إليها بالفعل من خلال تجربتي، والتي أدت إلى تحسن حالته بصورة كبيرة.
أساليب خاصة للتعامل مع التوحد
- من العوامل الرئيسية التي تساعد في علاج هذه الحالات، بل وتطورها بصورة ملحوظة، إلى جانب الطرق الخاصة بالأطفال المصابين بالتوحد مثل إتاحة فرص تدريبات معينة على لغة الإشارة، لكي يستطيع التواصل مع الآخرين.
- لذلك ألحقته بمراكز معينة لتدريبه على رياضات مثل (الفروسية، السباحة)، وبالفعل كان ابني من أوائل الأطفال الملتحقين بهذه المراكز، وحقق فيها درجات عالية من التفوق.
نصائح عند التعامل مع المتوحد
- هناك عدة أمور هامة ينبغي أن تكون من ضمن الخطة العلاجية مع ابنك المتوحد، منها مشاهدة التليفزيون، وأسلوب النوم، وأساليب اللعب.
- فبالنسبة لي جعلت من عادات ابني النوم مبكرًا، وهذا من الأمور الصعبة جدًا بالنسبة للطفل المتوحد، فوضعت له نظام محدد للنوم وهو أن يُمنع من النوم في النهار، وفي تمام الساعة الثامنة أقول له أن هذا وقت النوم، ويجب عليك الذهاب فورًا للسرير، ولم يكن هذا أمرًا سهلًا، فقد كان ابني في أول الأمر يستغرق ساعة ونص أو أكثر، ولكن الأمر تحسن تدريجيًا، حتى أصبح الآن النوم مبكرًا لديه عادة يومية.
- أما عن مشاهدة التليفزيون، لابد من إبعاده عن ذلك بكل الطرق الممكنة، وذلك لما يتسبب التلفزيون في تشتيت الطفل والتأثير السلبي على تركيزه، ففي بداية الأمر لم أفتح له الجهاز مطلقًا وهو مستيقظ مهما حدث.
- أيضًا من الخطوات الهامة التي قمت بها هي التحاق ابني بحضانة عادية غير متخصصة لحالته لمدة عام واحد، وكان هذا أمر في غاية الصعوبة في البداية، فقد كان يبكي ويصرخ لفترات طويلة يوميًا، ولكن بالتدريج قلت مدة بكائه وصراخه كثيرًا.
- وفي العام التالي وضعت ابني في روضة، وهذا بالتدريج أدى إلى أن يتعود على الانفصال عني وعن أبوه، والاندماج مع الأطفال الآخرين، ولكني لا استطيع أن أنكر أنه يلهو بعيدًا عن الأطفال باستمرار، ولكن في المجمل هذا مقبول نوعًا ما، وأصبحت زيارتنا لأحد الأقارب وأطفالهم أو زيارتهم لنا من الأمور التي تُدخل السرور إلى قلبه، نظرًا لاندماجه ولعبه مع الأطفال، وأصبح يذهب يوميًا إلى الروضة برغبته.
تعليم الطفل المتوحد
- بصورة عامة الطفل المتوحد مختلف عن الطفل الطبيعي في تعلم الأساسيات المحيطة به، ففي حالة الطفل الطبيعي عندما نقوم بتعليمه أمر معين من الأمور نربطه بشيء مادي كصورة مثلًا، وهذا يتطلب منا وقت وجهد ويتضاعف هذا الوقت وذاك الجهد في حالة الطفل المتوحد.
- ولذلك كنت أحاول بقدر الإمكان استغلال كل وقت أقضيه معه لتعليمه أمر جديد، فكنت على سبيل المثال أقوم بعرض عدد من الصور عليه (حيوانات، ألوان، جمادات، أشكال هندسية) وذلك من خلال المجلات أو الكتب، وأقوم بوضعها بصورة مستمرة أمام عيناه، وكنت أحكي له قصة مسلية يوميًا قبل النوم للاستفادة أيضًا منها.
- في البداية كنت أطلب من ابني الإشارة إلى الشكل الهندسي أو اللون الذي يعرفه فلم يكن يهتم لذلك أبدًا، ولكن تدريجيًا تحسن الأمر وبدأ يلتفت ويهتم بذلك، وكنت في تعليمه استخدم صور وأشكال معينة للفت الانتباه، ووجود أخيه الأكبر منه بعامين ساعدني كثيرًا بتطبيق ما أرغب في تعليمه لأخيه، وكنت أيضًا أقوم بتنمية عضلات جسمه من خلال اللعب كالشقلبة والقفز.
النطق بالنسبة لطفل التوحد
- من خلال رحلتي في علاج ابني من التوحد، كان يجد صعوبة بالغة في النطق بكلمة واحدة مفهومة، واستمر ذلك إلى أن وصل لعمر عامين ونصف أو أكثر، وبدايةً من هذا العمر بدأ ابني بمحاولات للنطق للتعبير عن الأشياء المحيطة، فكان يستخدم كلمة واحدة وهي (ماه) للإشارة إلى أي شيء، هي بالطبع كلمة غير مفهومة بالمرة، ولكن ابني لم يستطيع أن يقول غيرها.
- لذلك كنت أحاول تعليمه نطق الكلمات من خلال التركيز على حركة الشفاة، وحاولت مرارًا وتكرارًا التحدث إليه بكلمات معينة وتكرار هذه الكلمات مع الإشارة إلى الفم حتى يتعلم نطق الكلمات، ففي بداية الأمر كنت أحاول أن أجعله ينطق اسم كل ما يريد الحصول عليه من الأشياء المحيطة به مثل (الألعاب، أنواع الطعام والحلوى، أعضاء جسمه) إلى جانب ترديدي المستمر للأناشيد التي يتلقاها في الروضة.
- ومن أهم الأمور التي ينبغي أن نأخذها بعين الاعتبار، وهي أن نُعامل الطفل المتوحد كطفل طبيعي جدا وغير مختلف عن الأطفال الآخرين.
- وكنت لا استجيب أبدًا لبكاء ابني أو صراخه، حتى لا يزداد الأمر سوءًا ويستمر في العناد، ولكن تدريجيًا مع عدم التفاتي لبكائه بدأ يتوقف عن ذلك نوعًا ما، ولكن لم يتوقف العند بشكل تام، كانت هناك تصرفات عناد وعنف تحدث كرد فعل لعدم موافقتي على رغبة من رغباته، ولكن هذا يحدث في أضيق الحدود.
النظافة الشخصية لطفل التوحد
أما عن النظافة الشخصية فهي من أصعب ما واجهني خلال رحلتي في العلاج، ولكنني استطعت التغلب عليها، وذلك من خلال اتباع أسلوب التقليد باستخدام دمى أو اللجوء لأخوه، وبدأت في التمثيل عليهم كل ما أريد توصيله لابني المتوحد مثل (دخوله الحمام، تنظيف أسنانه، تعليق ملابسه).